بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدراً، وأحاط بكل شيء خيراً، وأسبل على خلقه بلطفه رحمة وستراً، وبعث رسوله وكمل وصفه ليناً ورفقاً وبراً.. أحمده سبحانه وأشكره، وأستعين به وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل كتابه بالحق والهدى، والنور والضياء رحمة وشفاء لما في الصدور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بعثه بالرفق واللين والتيسير في جميع الأمور r . أما بعد أيها الأخوة المؤمنين:- فإن الله تعالى بعث نبيه محمداً r رحمة وهدى، وقد كان أبر الناس قلباً، وأصدقهم لهجة، وأقربهم رحماً. وإن من أكرم سجاياه r، أن لازمته تلك الأخلاق العالية، في أحلك الظروف، شج رأسه، وكسرت أسنانه في غزوة أحد، فقيل له في هذا الحال العصيب: ألا تدعو على المشركين !! فغلبت رحمته على غضبه فقال: ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ) وقال في مقام آخر: ( إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعاناً ). أيها الأحبة في الله: إن الرفق مع الناس والتيسير في التعامل معهم خلق حثت عليه الشريعة وأكدت أهميته من الدين، فقد أخبر r أن كل عمل يخلو من الرفق والسهولة يكون مآله إلى سوء، فقال r: ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم. وأخبر أن الله تعالى يوفق المترفق وسيجازيه أحسن الجزاء في الدنيا بتيسير أعماله وفي الآخرة بالثواب الجزيل فقال r: ( إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه ) رواه مسلم. بل أخبر r أن من لم يتحل بالرفق والليونة فاته الخير كله دنيا وآخرة فقال r: ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) رواه مسلم. وقال r: ( من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير ) رواه الترمذي وهو حسن. ولأهمية الرفق واللين في التعامل والتصرفات لم يكتف r بأن حث عليه في معاملة الناس، بل أكد على الرفق والسهولة حتى في معاملة البهائم، روى أبو داود أن رسول الله r أراد أن يخرج إلى البادية فأرسل إلى عائشة t ناقة لتركبها وكانت هذه الناقة شروساً غير مذللة، فلما أرادت عائشة أن تركبها تمنعت عليها وتلدنت فلعنتها عائشة t فقال r: ( مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فعليك بالرفق ). بل كان r يجعل أمر الرفق واللين والتيسير أصلاً من الأصول التي يوصي بها أصحابه فكان r إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: ( بشّروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا ) متفق عليه. وكان r يربي أهله على الرفق واللين حتى مع الكفار، فقد روى البخاري عن عائشة t قالت:" دخل رهط من اليهود على النبي r فقالوا: السام عليكم ( يعني الموت عليكم ) قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، فقال رسول الله r: ( مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟! فقال r: ( قد قلت وعليكم ). ولما دخل أعرابي المسجد وبال فيه، قام الصحابة إليه ليمنعوه، فمنعهم r وقال: لا تعجلوا عليه، حتى إذا أنهى بوله وقام ليذهب، دعاه النبي r وقال: ( إن هذه المساجد لم تبن لهذا وإنما بنيت للصلاة الذكر والتسبيح ). ثم ذكر r في ذلك مثالاً بديعاً لأصحابه فقال: ( إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل شردت عليه ناقته فقام الناس يشتدون خلفها وهي تشتدّ هاربة والرجل يصيح: خلوا إلي ناقتي..، حتى إذا تفرقوا عنه عمد إلى شيء من خشاش الأرض ثم جعله في ثوبه ورفعه إليها ودعاها فلم يزل بها حتى جاءته ). فتأملوا في هذا المثال البديع كيف أن الرفق واللين يسهل ما كان صعباً. المرء يجمع والزمان يفــرق ويظـل يرقع والخطوب تمزق إن الترفق للمقيـم موافـق وإذا يســافر فالترفق أوفق لو سار ألف مدجج في حاجة لـم يبلغها إلا الذي يترفـق أيها الأخوة الكرام: روى مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم t قال: لما قدمت على رسول الله r علمت أموراً من أمور الإسلام فكان فيما علمت أن قال: لي إذا عطست فاحمد الله، وإذا عطس العاطس فحمد الله فقل: يرحمك الله، قال: فبينما أنا قائم مع رسول الله r في الصلاة إذ عطس رجل فحمد الله، فقلت: يرحمك الله، رافعاً بها صوتي فرماني الناس بأبصارهم حتى احتملني ذلك، فقلت: ما لكم تنظرون إليَّ بأعين شزر؟! قال: فسبحوا، فلما قضى رسول الله r الصلاة قال: من المتكلم؟! قيل: هذا الأعرابي، قال: فدعاني رسول الله r فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن - أو كما قال رسول الله r - قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكهان؟ قال: فلا تأتهم، قلت: ومنا رجال يتطيرون؟ قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم، قلت: ومنا رجال يخطّون؟ قال: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك، قلت: وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله r فعظّم ذلك عليَّ، قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها فأتيته بها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة. فتأملوا عباد الله.. لو أن النبي r لم يرفق به ويلين له الجانب فهل كان ينشط في السؤال وتعلم الدين.. ومن جميل ما يعرض في ذلك ما ذكر أن عالماً من العلماء كان جالساً في حلقته فدخل عليه رجل معه حربته يريد أن يسأل، فلما وقف على هذا العالم غرس حربته في الأرض فوقعت على أصبع هذا العالم، فلم يتكلم أو يتحرك، حتى إذا انتهى الرجل من سؤاله أجابه العالم، ثم ذهب الرجل، فرفع العالم رجله فإذا هي تنزف بالدم فقيل له: لمَ لمْ تتحرك لما أصابك؟! فقال: خشيت أن يعلم بما فعل فيرتج عليه السؤال ثم يظل جاهلاً بدينه.. أيها الأحبة في الله:- إن من تأمل في كتاب الله عز وجل وجد أن الرب جل جلاله عظم الرفق وأمر به، بل قال لنبيه r: ] ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم [. والرفق هو دأب الأنبياء، فإن الله تعالى لما أرسل موسى r إلى فرعون
الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدراً، وأحاط بكل شيء خيراً، وأسبل على خلقه بلطفه رحمة وستراً، وبعث رسوله وكمل وصفه ليناً ورفقاً وبراً.. أحمده سبحانه وأشكره، وأستعين به وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل كتابه بالحق والهدى، والنور والضياء رحمة وشفاء لما في الصدور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بعثه بالرفق واللين والتيسير في جميع الأمور r . أما بعد أيها الأخوة المؤمنين:- فإن الله تعالى بعث نبيه محمداً r رحمة وهدى، وقد كان أبر الناس قلباً، وأصدقهم لهجة، وأقربهم رحماً. وإن من أكرم سجاياه r، أن لازمته تلك الأخلاق العالية، في أحلك الظروف، شج رأسه، وكسرت أسنانه في غزوة أحد، فقيل له في هذا الحال العصيب: ألا تدعو على المشركين !! فغلبت رحمته على غضبه فقال: ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ) وقال في مقام آخر: ( إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعاناً ). أيها الأحبة في الله: إن الرفق مع الناس والتيسير في التعامل معهم خلق حثت عليه الشريعة وأكدت أهميته من الدين، فقد أخبر r أن كل عمل يخلو من الرفق والسهولة يكون مآله إلى سوء، فقال r: ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم. وأخبر أن الله تعالى يوفق المترفق وسيجازيه أحسن الجزاء في الدنيا بتيسير أعماله وفي الآخرة بالثواب الجزيل فقال r: ( إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه ) رواه مسلم. بل أخبر r أن من لم يتحل بالرفق والليونة فاته الخير كله دنيا وآخرة فقال r: ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) رواه مسلم. وقال r: ( من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير ) رواه الترمذي وهو حسن. ولأهمية الرفق واللين في التعامل والتصرفات لم يكتف r بأن حث عليه في معاملة الناس، بل أكد على الرفق والسهولة حتى في معاملة البهائم، روى أبو داود أن رسول الله r أراد أن يخرج إلى البادية فأرسل إلى عائشة t ناقة لتركبها وكانت هذه الناقة شروساً غير مذللة، فلما أرادت عائشة أن تركبها تمنعت عليها وتلدنت فلعنتها عائشة t فقال r: ( مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فعليك بالرفق ). بل كان r يجعل أمر الرفق واللين والتيسير أصلاً من الأصول التي يوصي بها أصحابه فكان r إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: ( بشّروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا ) متفق عليه. وكان r يربي أهله على الرفق واللين حتى مع الكفار، فقد روى البخاري عن عائشة t قالت:" دخل رهط من اليهود على النبي r فقالوا: السام عليكم ( يعني الموت عليكم ) قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، فقال رسول الله r: ( مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟! فقال r: ( قد قلت وعليكم ). ولما دخل أعرابي المسجد وبال فيه، قام الصحابة إليه ليمنعوه، فمنعهم r وقال: لا تعجلوا عليه، حتى إذا أنهى بوله وقام ليذهب، دعاه النبي r وقال: ( إن هذه المساجد لم تبن لهذا وإنما بنيت للصلاة الذكر والتسبيح ). ثم ذكر r في ذلك مثالاً بديعاً لأصحابه فقال: ( إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل شردت عليه ناقته فقام الناس يشتدون خلفها وهي تشتدّ هاربة والرجل يصيح: خلوا إلي ناقتي..، حتى إذا تفرقوا عنه عمد إلى شيء من خشاش الأرض ثم جعله في ثوبه ورفعه إليها ودعاها فلم يزل بها حتى جاءته ). فتأملوا في هذا المثال البديع كيف أن الرفق واللين يسهل ما كان صعباً. المرء يجمع والزمان يفــرق ويظـل يرقع والخطوب تمزق إن الترفق للمقيـم موافـق وإذا يســافر فالترفق أوفق لو سار ألف مدجج في حاجة لـم يبلغها إلا الذي يترفـق أيها الأخوة الكرام: روى مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم t قال: لما قدمت على رسول الله r علمت أموراً من أمور الإسلام فكان فيما علمت أن قال: لي إذا عطست فاحمد الله، وإذا عطس العاطس فحمد الله فقل: يرحمك الله، قال: فبينما أنا قائم مع رسول الله r في الصلاة إذ عطس رجل فحمد الله، فقلت: يرحمك الله، رافعاً بها صوتي فرماني الناس بأبصارهم حتى احتملني ذلك، فقلت: ما لكم تنظرون إليَّ بأعين شزر؟! قال: فسبحوا، فلما قضى رسول الله r الصلاة قال: من المتكلم؟! قيل: هذا الأعرابي، قال: فدعاني رسول الله r فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن - أو كما قال رسول الله r - قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكهان؟ قال: فلا تأتهم، قلت: ومنا رجال يتطيرون؟ قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم، قلت: ومنا رجال يخطّون؟ قال: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك، قلت: وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله r فعظّم ذلك عليَّ، قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها فأتيته بها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة. فتأملوا عباد الله.. لو أن النبي r لم يرفق به ويلين له الجانب فهل كان ينشط في السؤال وتعلم الدين.. ومن جميل ما يعرض في ذلك ما ذكر أن عالماً من العلماء كان جالساً في حلقته فدخل عليه رجل معه حربته يريد أن يسأل، فلما وقف على هذا العالم غرس حربته في الأرض فوقعت على أصبع هذا العالم، فلم يتكلم أو يتحرك، حتى إذا انتهى الرجل من سؤاله أجابه العالم، ثم ذهب الرجل، فرفع العالم رجله فإذا هي تنزف بالدم فقيل له: لمَ لمْ تتحرك لما أصابك؟! فقال: خشيت أن يعلم بما فعل فيرتج عليه السؤال ثم يظل جاهلاً بدينه.. أيها الأحبة في الله:- إن من تأمل في كتاب الله عز وجل وجد أن الرب جل جلاله عظم الرفق وأمر به، بل قال لنبيه r: ] ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم [. والرفق هو دأب الأنبياء، فإن الله تعالى لما أرسل موسى r إلى فرعون