بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء وأحصى كل شيء عدداً رحم من شاء من عباده فهيأ لهم في الدنيا ما يرفع به درجاتهم في الآخرة فثابروا على طاعته واجتهدوا في عبادته إن أصابتهم سراء شكروا فكان خيراً لهم وإن أصابتهم ضراء صبروا، فكانوا ممن قال الله فيهم: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) [الزمر:10]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا… أما بعد: فإن نصيب الإنسان من الدنيا عمره، فإن أحسن استغلاله فيما ينفعه في دار القرار فقد ربحت تجارته، وإن أساء استغلاله في المعاصي والسيئات حتى لقى الله على تلك الخاتمة السيئة فهو من الخاسرين، وكم حسرة تحت التراب، والعاقل من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله وخاف من ذنوبه قبل أن تكون سبباً في هلاكه، قال ابن مسعود: المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه. [البخاري 11/88،89 ومسلم أيضاً]. وكم شخص أصر على صغيرة فألفها وهانت عليه ولم يفكر يوماً في عظمة من عصاه فكانت سبباً في سوء خاتمته، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إنكم تعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات [البخاري 11/283]. وقد نبه الله في كتابه جميع المؤمنين إلى أهمية حسن الخاتمة، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [سورة آل عمران، آية 102]. وقال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) [سورة الحجر، آية: 99]. فالأمر بالتقوى والعبادة مستمر حتى الموت لتحصل الخاتمة الحسنة وقد بين صلى الله عليه وسلم أن بعض الناس يجتهد في الطاعات ويبتعد عن المعاصي مدة طويلة من عمره ولكن قبيل وفاته يقترف السيئات والمعاصي مما يكون سبباً في أن يختم له بخاتمة السوء، قال صلى الله عليه وسلم: "وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" [البخاري 11/417 ومسلم برقم: 2643]. وورد في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رجلاً من المسلمين في إحدى المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلى بلاءً شديداً فأعجب الصحابة ذلك وقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنه من أهل النار" فقال بعض الصحابة: أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه سأنظر ماذا يفعل فتبعه، قال فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فرجع الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: "وما ذاك؟" قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه حتى جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة" وفي بعض الروايات زيادة "وإنما الأعمال بالخواتيم" رواه البخاري ومسلم. وقد وصف الله سبحانه عباده المؤمنين بأنهم جمعوا بين شدة الخوف من الله مع الإحسان في العمل فقال: (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون. والذين هم بآيات ربهم يؤمنون. والذين هم بربهم لا يشركون. والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) [سورة المؤمنون آية 57- 61]. وقد كانت هذه حالة الصحابة رضي الله عنهم، وقد روى أحمد عن أبي بكر الصديق أنه قال: "وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن وكان رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد" وكان علي بن أبي طالب يشتد خوفه من اثنتين طول الأمل واتباع الهوى قال: "فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وكان يقول: ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة والآخرة قد أسرعت مقبلة ولكل واحدة منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل". وقد كان موت الفجأة مذموماً في الإسلام لأنه يباغت صاحبه ولا يمهله فربما كان على معصية فيختم له بالخاتمة السيئة. وقد كان السلف الصالح يخافون من سوء الخاتمة خوفاً شديداً، قال سهل التستري: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة وعند كل حركة وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال: (وقلوبهم وجلة). وينبغي أن يكون الخوف من سوء الخاتمة ماثلاً أمام عين العبد في كل لحظة لأن الخوف باعث على العمل وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" [الترمذي برقم 2452]. لكن إذا قاربت وفاة الشخص وأشرف على الموت فينبغي له حينئذ أن يغلب جانب الرجاء وأن يشتاق إلى لقاء الله فإن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. قال صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل" [مسلم برقم 2877]. لكن كثيراً من جهلة المسلمين اعتمدوا على سعة رحمة الله وعفوه ومغفرته فاسترسلوا في المعاصي ولم ينتهوا عن السيئات بل جعلوا علمهم بهذه الصفات من أعظم الدواعي على الاستمرار على المعاصي، وهذا خطأ واضح واستدلال موصل للهلاك فإن الله غفور رحيم وشديد العقاب كما صرح بذلك في كتابه في كثير من المواضع فقال جل من قائل: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم) [سورة الحجر، آية 49-50]. وقال: (حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب) [سورة غافر آية 1-3]. قال معروف الكرخي: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق. وقال بعض العلماء: من قطع عضواً منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا. وينبغي للمسلم أن يحرص على أن يتخلص من ديون الناس ومظالمهم فإن ما كان للعبد عند أخيه سيطلبه منه يوم القيامة لا محالة، فإن كانت له حسنات أخذ منها وإن لم يكن له حسنات أخذت من سيئاته وطرحت عليه وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. وسنبين هنا الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة بإيجاز. أولاً: التسويف بالتوبة: والتوبة إلى الله من جميع الذنوب واجبة على كل مكلف كل لحظة كما يدل عليه قوله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) [سورة النور، آية: 31]. وكان صلى الله عليه وسلم وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخرن يتوب إلى الله كل يوم مائة مرة. روى الأغر المزني قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة" [مسلم برقم 2702]. وقد بين صلى الله عليه وسلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له [ابن ماجة برقم 4250 وإسناده حسن]. ومن أنجح حيل إبليس التي يحتال بها على الناس التسويف في التوبة فيوسوس للعاصي بأن يتمهل في التوبة فإن أمامه زمناً طويلاً ولو تاب الآن ثم رجع لا يمكن أن تقبل توبته بعد ذلك فيكون من أصحاب النار، أو يوسوس له بأنه إذا بلغ الخمسين أو الستين مثلاً عليه أن يتوب توبة نصوحاً ويلزم المسجد ويكثر القربات أما الآن فإنه في شبابه وزهرة عمره فليمتع نفسه ولا يشق عليها بالتزام الطاعات من الآن. هذه بعض مكائد إبليس في التسويف في التوبة. قال بعض السلف الصالح: أنذركم سوف، فإنها أكبر جنود إبليس، ومثل المؤمن الحازم الذي يتوب إلى الله من كل ذنب وفي كل وقت خوفاً من سوء الخاتمة ومحبة لله. والمفرط المسوف الذي يؤخر توبته كمثل قوم في سفر دخلوا قرية فمضى الحازم فاشترى ما يصلح لتمام سفره وجلس متأهباً للرحيل. أما المفرط فإنه يقول: كل يوم سأتأهب غداً حتى أعلن أمير القافلة الرحيل ولا زاد معه، وهذا مثل للناس في الدنيا فإن المؤمن الحازم متى ما جاء الموت لم يندم أما العاصي المفرط فإنه يقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت… ثانياً: طول الأمل: وهو سبب شقاء كثير من الناس حين يخدعه الشيطان فيصور له أن أمامه عمراً طويلاً وسنين متعاقبة يبني فيها آمالاً شامخة فيجمع همته لمواجهة هذه السنين ولبناء هذه الآمال وينسى الآخرة ولا يتذكر وإذا ذكره يوماً برم منه لأنه ينغص عليه لذاته ويكدر عليه صفو عيشه، وقد حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم، أشد التحذير فقال: "إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان: اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فإنه الحب للدنيا" [رواه ابن أبي الدنيا بسند ضعيف]. فإذا أحب الإنسان الدنيا أكثر من الآخرة آثرها عليها واشتغل بزينتها وزخرفها وملذاتها عن بناء مسكنه في الآخرة في جوار الله في جنته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. ويظهر أثر قصر الأمل في المبادرة إلى الأعمال الصالحة واغتنام أوقات العمر فإن الأنفاس معدودة والأيام مقدرة وما فات لن يعود وعلى الطريق عوائق كثيرة بينها صلى الله عليه وسلم حينما قال: "بادروا بالأعمال سبعاً هل تنظرون إلا إلى فقر منس أو غنى مطغ أو مرض مفسد أو هرم مفند أو موت مجهز أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر" [الترمذي برقم 2408 وقال: حديث غريب حسن]. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" رواه البخاري 11/190-200].
الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء وأحصى كل شيء عدداً رحم من شاء من عباده فهيأ لهم في الدنيا ما يرفع به درجاتهم في الآخرة فثابروا على طاعته واجتهدوا في عبادته إن أصابتهم سراء شكروا فكان خيراً لهم وإن أصابتهم ضراء صبروا، فكانوا ممن قال الله فيهم: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) [الزمر:10]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا… أما بعد: فإن نصيب الإنسان من الدنيا عمره، فإن أحسن استغلاله فيما ينفعه في دار القرار فقد ربحت تجارته، وإن أساء استغلاله في المعاصي والسيئات حتى لقى الله على تلك الخاتمة السيئة فهو من الخاسرين، وكم حسرة تحت التراب، والعاقل من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله وخاف من ذنوبه قبل أن تكون سبباً في هلاكه، قال ابن مسعود: المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه. [البخاري 11/88،89 ومسلم أيضاً]. وكم شخص أصر على صغيرة فألفها وهانت عليه ولم يفكر يوماً في عظمة من عصاه فكانت سبباً في سوء خاتمته، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إنكم تعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات [البخاري 11/283]. وقد نبه الله في كتابه جميع المؤمنين إلى أهمية حسن الخاتمة، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [سورة آل عمران، آية 102]. وقال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) [سورة الحجر، آية: 99]. فالأمر بالتقوى والعبادة مستمر حتى الموت لتحصل الخاتمة الحسنة وقد بين صلى الله عليه وسلم أن بعض الناس يجتهد في الطاعات ويبتعد عن المعاصي مدة طويلة من عمره ولكن قبيل وفاته يقترف السيئات والمعاصي مما يكون سبباً في أن يختم له بخاتمة السوء، قال صلى الله عليه وسلم: "وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" [البخاري 11/417 ومسلم برقم: 2643]. وورد في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رجلاً من المسلمين في إحدى المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلى بلاءً شديداً فأعجب الصحابة ذلك وقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنه من أهل النار" فقال بعض الصحابة: أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه سأنظر ماذا يفعل فتبعه، قال فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فرجع الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: "وما ذاك؟" قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه حتى جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة" وفي بعض الروايات زيادة "وإنما الأعمال بالخواتيم" رواه البخاري ومسلم. وقد وصف الله سبحانه عباده المؤمنين بأنهم جمعوا بين شدة الخوف من الله مع الإحسان في العمل فقال: (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون. والذين هم بآيات ربهم يؤمنون. والذين هم بربهم لا يشركون. والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) [سورة المؤمنون آية 57- 61]. وقد كانت هذه حالة الصحابة رضي الله عنهم، وقد روى أحمد عن أبي بكر الصديق أنه قال: "وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن وكان رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد" وكان علي بن أبي طالب يشتد خوفه من اثنتين طول الأمل واتباع الهوى قال: "فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وكان يقول: ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة والآخرة قد أسرعت مقبلة ولكل واحدة منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل". وقد كان موت الفجأة مذموماً في الإسلام لأنه يباغت صاحبه ولا يمهله فربما كان على معصية فيختم له بالخاتمة السيئة. وقد كان السلف الصالح يخافون من سوء الخاتمة خوفاً شديداً، قال سهل التستري: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة وعند كل حركة وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال: (وقلوبهم وجلة). وينبغي أن يكون الخوف من سوء الخاتمة ماثلاً أمام عين العبد في كل لحظة لأن الخوف باعث على العمل وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" [الترمذي برقم 2452]. لكن إذا قاربت وفاة الشخص وأشرف على الموت فينبغي له حينئذ أن يغلب جانب الرجاء وأن يشتاق إلى لقاء الله فإن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. قال صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل" [مسلم برقم 2877]. لكن كثيراً من جهلة المسلمين اعتمدوا على سعة رحمة الله وعفوه ومغفرته فاسترسلوا في المعاصي ولم ينتهوا عن السيئات بل جعلوا علمهم بهذه الصفات من أعظم الدواعي على الاستمرار على المعاصي، وهذا خطأ واضح واستدلال موصل للهلاك فإن الله غفور رحيم وشديد العقاب كما صرح بذلك في كتابه في كثير من المواضع فقال جل من قائل: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم) [سورة الحجر، آية 49-50]. وقال: (حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب) [سورة غافر آية 1-3]. قال معروف الكرخي: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق. وقال بعض العلماء: من قطع عضواً منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا. وينبغي للمسلم أن يحرص على أن يتخلص من ديون الناس ومظالمهم فإن ما كان للعبد عند أخيه سيطلبه منه يوم القيامة لا محالة، فإن كانت له حسنات أخذ منها وإن لم يكن له حسنات أخذت من سيئاته وطرحت عليه وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. وسنبين هنا الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة بإيجاز. أولاً: التسويف بالتوبة: والتوبة إلى الله من جميع الذنوب واجبة على كل مكلف كل لحظة كما يدل عليه قوله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) [سورة النور، آية: 31]. وكان صلى الله عليه وسلم وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخرن يتوب إلى الله كل يوم مائة مرة. روى الأغر المزني قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة" [مسلم برقم 2702]. وقد بين صلى الله عليه وسلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له [ابن ماجة برقم 4250 وإسناده حسن]. ومن أنجح حيل إبليس التي يحتال بها على الناس التسويف في التوبة فيوسوس للعاصي بأن يتمهل في التوبة فإن أمامه زمناً طويلاً ولو تاب الآن ثم رجع لا يمكن أن تقبل توبته بعد ذلك فيكون من أصحاب النار، أو يوسوس له بأنه إذا بلغ الخمسين أو الستين مثلاً عليه أن يتوب توبة نصوحاً ويلزم المسجد ويكثر القربات أما الآن فإنه في شبابه وزهرة عمره فليمتع نفسه ولا يشق عليها بالتزام الطاعات من الآن. هذه بعض مكائد إبليس في التسويف في التوبة. قال بعض السلف الصالح: أنذركم سوف، فإنها أكبر جنود إبليس، ومثل المؤمن الحازم الذي يتوب إلى الله من كل ذنب وفي كل وقت خوفاً من سوء الخاتمة ومحبة لله. والمفرط المسوف الذي يؤخر توبته كمثل قوم في سفر دخلوا قرية فمضى الحازم فاشترى ما يصلح لتمام سفره وجلس متأهباً للرحيل. أما المفرط فإنه يقول: كل يوم سأتأهب غداً حتى أعلن أمير القافلة الرحيل ولا زاد معه، وهذا مثل للناس في الدنيا فإن المؤمن الحازم متى ما جاء الموت لم يندم أما العاصي المفرط فإنه يقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت… ثانياً: طول الأمل: وهو سبب شقاء كثير من الناس حين يخدعه الشيطان فيصور له أن أمامه عمراً طويلاً وسنين متعاقبة يبني فيها آمالاً شامخة فيجمع همته لمواجهة هذه السنين ولبناء هذه الآمال وينسى الآخرة ولا يتذكر وإذا ذكره يوماً برم منه لأنه ينغص عليه لذاته ويكدر عليه صفو عيشه، وقد حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم، أشد التحذير فقال: "إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان: اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فإنه الحب للدنيا" [رواه ابن أبي الدنيا بسند ضعيف]. فإذا أحب الإنسان الدنيا أكثر من الآخرة آثرها عليها واشتغل بزينتها وزخرفها وملذاتها عن بناء مسكنه في الآخرة في جوار الله في جنته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. ويظهر أثر قصر الأمل في المبادرة إلى الأعمال الصالحة واغتنام أوقات العمر فإن الأنفاس معدودة والأيام مقدرة وما فات لن يعود وعلى الطريق عوائق كثيرة بينها صلى الله عليه وسلم حينما قال: "بادروا بالأعمال سبعاً هل تنظرون إلا إلى فقر منس أو غنى مطغ أو مرض مفسد أو هرم مفند أو موت مجهز أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر" [الترمذي برقم 2408 وقال: حديث غريب حسن]. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" رواه البخاري 11/190-200].